بيان حول زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للسعودية

البيانات 16-05-2025

في الوقت الذي تمر فيه المملكة العربية السعودية بواحدة من أحلك لحظاتها السياسية والحقوقية، تأتي زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرياض لتؤكد حقيقة الانحياز الأميركي للأنظمة الاستبدادية على حساب القيم الإنسانية، والديمقراطية، وكرامة الإنسان. ومن المؤسف أن السلطات السعودية، بقيادة محمد بن سلمان، تسعى إلى تحويل هذه الزيارة إلى منصة دعائية جديدة لتلميع صورته المهترئة داخليًا وخارجيًا وإلى تأمين العرش على حساب الناس والشعب ومصالحهم وحقوقهم دون أدنى اعتبار لما تحمله هذه الخطوة من تداعيات على مستقبل البلاد وسمعة الشعب.

إن استقبال محمد بن سلمان لشخصية سياسية مثل دونالد ترامب، المعروف بسجله المليء بالتحريض، والشعبوية، والازدراء للمؤسسات الديمقراطية، يُعد صفعة جديدة في وجه كل المطالبين بالإصلاح وحقوق الإنسان في المملكة. ترامب لم يكن يومًا حليفًا للشعوب أو المدافعين عن العدالة، بل كان داعمًا صريحًا للطغاة، ومبررًا لقمع المعارضين، ومتواطئًا مع الأنظمة الاستبدادية ما دامت تضمن المصالح الأميركية الاقتصادية والعسكرية.

إن هذه الزيارة، التي ستُقدَّم على الأرجح كحدث "استثنائي" في الإعلام الرسمي السعودي، لا تمثل أي مكسب حقيقي للشعب السعودي، بل هي محاولة أخرى لاستحلاب خزينة الدولة وإفراغ المؤسسات وإفلاس البلد من الأموال التي جمعت بعرق المواطنين وجيوب المهمّشين لتكون في خزينة الرجل الأبيض الأمريكي في صفقة مشينة بين الأنظمة السياسية الدكتاتورية تثبيت شرعية حكم فردي قائم على القمع والاستبداد، وتوظيف الدعم الأميركي لترامب لتغذية أوهام "العظمة" السياسية والهيمنة الإقليمية. وفي الحقيقة، فإن ما يجنيه محمد بن سلمان من هذا اللقاء هو تعزيز لصورة الاستبداد المغلف بالحداثة الزائفة، بينما يخسر المواطن السعودي المزيد من حريته، وحقه في التعبير، وكرامته كبشر.

ومن منظورنا كمواطنين في حزب التجمع الوطني، فإننا نرى في هذه الزيارة استمرارًا في مسار تبادل المصالح الشخصية بين النخب السلطوية العابرة للحدود، على حساب الشعوب المغيبة والمقموعة وعلى حساب كرامتها وحقوقها وعلى حساب جيوبها المثقلة بالضرائب والرسوم التي تذهب لجيوب ترامب وفريقه، ولا يمكن فصل زيارة ترامب عن السياق الأوسع الذي شهد ملاحقة الناشطين، وقتل الصحفيين، وتكميم الأفواه، وتفريغ الفضاء العام من أي تعبير سياسي مستقل.

إننا نحذر من الترويج لهذه الزيارة كإنجاز سياسي، فهي في حقيقتها ليست إلا صفقة إذلال بين رجلين يمثلان ذروة الانحدار الأخلاقي في الحكم والسياسة. ونشدد على أن أي تعاون سياسي أو اقتصادي لا يُبنى على أسس من الشفافية والاحترام والاستقلال السياسي واحترام الشعوب وخياراتها وقراراتها والمساءلة والاحترام المتبادل بين الدولة ومواطنيها هو تعاون هش، وظالم، وسينقلب على صانعيه. لهذا لا يصح أن تستمر سياسة الاعتماد الكامل على الحكومة الأمريكية، وكأن الوطن في أمس الحاجة لراعٍ رسمي يوفر له الحماية، فنرفض هذا النهج حيث المقايضة المعروفة بين النظام الملكي المطلق والحكومة الأمريكية الشعبوية في صفقة النفط والصفقات مقابل التسليح والحماية للعرش. وقد طالب محمد بن سلمان صراحة هذا الأمر منذ عامين ضمن صفقة التطبيع مع الاحتلال الصهيوني.

 ونحن في حزب التجمع الوطني نرفض بشكل قاطع جملة وتفصيلاً أي صفقة تتعهّد أو تمهّد لأي شكلٍ من أشكال التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، ففلسطين لم تتوقف فيها عمليات الإبادة والقتل والتهجير القصري والحصار الجائر على قطاع غزة، فضلاً عن حرب إبادة ممنهجة مستمرة.

إن السعودية لا تحتاج إلى زيارات استعراضية، بل إلى إصلاح سياسي شامل وإلى التصالح مع الشعب وإطلاق سراح المعتقلين، وضمان الحريات العامة، وتمكين الشعب من إدارة شؤونه. وأي خطوة لا تصب في هذا الاتجاه ما هي إلا استمرار في سياسة التلميع الإعلامي لوجه سلطوي خالٍ من الشرعية الشعبية.